ربما تكون هذه من المرات النادرة، التي تحظى فيها تصريحات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتأييد كبير من طيف واسع من المصريين يشمل المؤيدين والمعارضين، خاصة أن الأمر يتعلق بنهر النيل، شريان الحياة والمصدر الرئيس للمياه في مصر.
ففي تصريح غير مسبوق، هدد السيسي برد لا يمكن تخيله سيتردد صداه في المنطقة في حال تأثرت إمدادات مصر من المياه بسبب السد، الذي تشييده إثيوبيا على مجرى النيل الأزرق.
وقال السيسي، خلال زيارته قناة السويس، الثلاثاء، "نحن لا نهدد أحدا؛ لكن لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر، وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد"، موضحا أنه لم يسبق له أن تحدث بهذه اللهجة، وأنه لا يهدد؛ لكن "المساس بمياه مصر خط أحمر.
.
ومن يريد أن يجرب فليجرب" على حد قوله.
لكن السيسي عاد ورهن القضية برمتها بضرورة التوصل إلى اتفاق، وقال إنه لا بد من التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لتعبئة وتشغيل سد النهضة، مشيرا إلى أن "التفاوض هو خيارنا".
لهجة جديدة غاضبة من #السيسي تزامنت مع وصول مفاوضات #سد_النهضة لطريق مسدود وإصرار الجانب الإثيوبي على فرض سياسة الأمر الواقع pic.
twitter.
com/90fUVMnhwx
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) March 30, 2021
تصريحات الرئيس المصري بهذه اللهجة، الذي أقر هو نفسه بأنه يستخدمها للمرة الأولى، تشير إلى أن مصر قد تخلت لأول مرة عن هدوئها ولغتها الدبلوماسية، التي التزمت بها لسنوات تجاه أزمة سد النهضة، من أجل احتواء السياسة الإثيوبية التي تتهمها بالتعنت والتشدد.
وقبل أسبوع تحديدا، شدد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، على أن الملء الثاني لسد النهضة سيتم في موعده عند موسم الأمطار في يوليو/تموز المقبل؛ لكنه قال في كلمة له أمام البرلمان "لا نرغب بالإضرار بمصالح مصر والسودان المائية".
وإذا كانت مصر "هبة النيل" كما يردد أبناؤها خلف المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت، فذلك لأنها تعتمد على هذا النهر الذي يعد بين الأطول في العالم، للحصول على حوالي 97% من احتياجاتها من مياه الشرب والري، وترى في السد تهديدا لها فيما تقول إثيوبيا إنها ترغب في الاستفادة من الموارد المائية على أرضها لتحقيق تنمية مستدامة.
د.
نجلاء مرعي خبيرة الشؤون الإفريقية: تصريحات #السيسي نارية ونحن أمام أول حرب للمياه في العالم#سد_النهضة #إثيوبيا #مصر #السودان pic.
twitter.
com/hBz6Y8IhZ2
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) March 30, 2021
هذه التصريحات اعتبر مراقبون تحدثوا للجزيرة نت، أنها ما كانت لتصدر أيضا لولا التقارب المصري السوداني الأخير على المستوى العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي، واتفاقهما على رؤية واحدة بشأن مفاوضات سد النهضة؛ بل ذهب البلدان (مصر والسودان) في تصريحاتهما الرسمية إلى أبعد من ذلك، وتأكيدهما مرارا على أنهما يواجهان مصيرا مشتركا وقضية وجودية، ووصف الأزمة على أنها مسألة حياة أو موت.
وتناوب زعماء ومسوؤلو البلدين الزيارات فيما بينهما بشكل مكثف خلال الشهر الجاري؛ بهدف تعزيز التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي، وبلورة موقف موحد مشترك عبرا عنه خلال زيارة السيسي إلى الخرطوم، ولقائه بالمسؤولين هناك، "برفض أي إجراءات أحادية تهدف لفرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق".
وفي أكثر من مناسبة؛ أكد الطرفان التمسّك باقتراح الخرطوم تشكيل لجنة رباعية دولية يقودها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي (الكونغو الديمقراطية)، وتشمل كلا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، للتوسط في المفاوضات وإطلاقها في أقرب فرصة ممكنة.
وفي حوار سابق مع صحيفة "الشروق" المصرية (خاصة)، حذَّر وزير الري السوداني، ياسر عباس، من أن فشل مساعي المفاوضات قبيل الملء الثاني، سيدفع بلاده نحو الدفاع عن أمنها القومي عبر جميع السُّبل المشروعة، التي تكفلها القوانين الدولية.
تكثيف التنسيق بين #السودان و #مصر يبدأ في سباق مع الزمن قبل أن تشرع #إثيوبيا في التعبئة الثانية لسد النهضة.
.
فهل ستحل القضية ودياً؟| تقرير: زياد بركات #الحصادpic.
twitter.
com/KK31w5Ptc8
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) March 12, 2021
يعتقد عضو اللجنة الوطنية المصرية لدراسة آثار سد النهضة سابقا، محمد محيي الدين، أن تصريحات السيسي تمثل "نقلة نوعية" في إعادة توجيه سير الأزمة، وقال إن "ما يجري هو سياسة النفس الأخير، وكل طرف يحاول الضغط لأخذ أكبر تنازلات".
وعما إذا كانت التهديدات الأولى من نوعها هي رسالة للداخل، أكد في حديثه للجزيرة نت، لا يوجد في مسألة المياه ما يمكن أن نسميه تصريحات من أجل "مغازلة" الداخل؛ لإن هذا موضوع وجودي لا يستطيع أي رئيس مصري أو مؤسسة مصرية تجاهل خطره، وهذه لحظة اصطفاف وطني.
لكن محيي الدين أكد مع ذلك، أنه ليس من مصلحة مصر الآن القيام بأي عمل عسكري، "ما تزال هناك جهود دولية تبذل من أجل استئناف المفاوضات، وأتصور أن جميع الأطراف سوف يجلسون للتفاوض؛ إلا أن أديس أبابا ستعود للمماطلة؛ لكن زمن هذه المماطلة لن يكون طويلا، لأنها تريد الملء في يوليو/تموز المقبل".
على الجانب الإثيوبي، اعتبر البعض أن تصريحات السيسي مجرد رسالة إلى الداخل المصري وليست إلى إثيوبيا، وذلك من أجل امتصاص احتقان وغضب الشعب المصري بسبب تكالب المحن والأزمات عليه.
وذهب إلى هذا الاتجاه المحلل السياسي الإثيوبي، محمد العروسي، خلال تصريحات للجزيرة مباشر، اعتبر فيها أن كلام السيسي ليس موجها للمسؤولين الإثيوبيين؛ بل يبدو أنه موجه للشعب المصري الذي عانى من الأزمات، على حد وصفه.
ردا على تصريحات #السيسي.
.
المحلل السياسي الإثيوبي محمد العروسي: كلام السيسي ليس موجها للمسؤولين الإثيوبيين بل يبدو أنه موجه للشعب المصري الذي عانى من الأزمات pic.
twitter.
com/WK2cyqZh2R
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) March 30, 2021
وجاءت تهديدات السيسي الأخيرة، لتذكّر بتصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، التي حذر فيها من أن مصر قد تقدم على "تفجير سد النهضة" إذا لم يتم حل القضايا العالقة بشأنه.
في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجه ترامب انتقادات حادة لإثيوبيا بشأن موقفها "المتشدد" من المفاوضات، قائلا "الوضع خطير جدا، وأن مصر لا تستطيع أن تستمر على هذا الحال، وسينتهي المطاف إلى نسف السد".
لكن نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، مجدي حمدان، يعتقد أن تهديدات السيسي تنطوي على رسالة مزدوجة، قائلا "ربما يكون هناك استشعار من أجهزة الدولة أن جزءا كبيرا من المواطنين المؤيدين للرئيس وللحكومة أصبحوا في حل من هذه الموالاة؛ بسبب ضعف الموقف المصري ما دفع الرئيس للخروج بهذه التصريحات التي تعد الأقوى".
وأضاف للجزيرة نت "أعتقد طالما أن حديث الرئيس بأن الأمور في المنطقة سوف تتغير إن لم تستجب إثيوبيا إلى التوصل لاتفاق ملزم للجميع قبل الملء الثاني للسد، فإن هناك خطوة حاسمة من القيادة المصرية أعتقد أنها تتمثل في ضرب هذا السد".
وعما إذا كان هناك علاقة بين تصريحات السيسي والتقارب المصري السوداني الأخير، أكد حمدان أن الظروف مواتية بين القاهرة والخرطوم للتوافق حول طرق مواجهة الأزمة ووضع نهاية لها، خاصة مع محاولات إثيوبيا للانفراد بالقرار.
تهديدات أو تصريحات السيسي الخاطفة والحاسمة لاقت تأييدا واسعا من المؤيدين والمعارضين، ووصفها البعض بأنها أول تصريح مصري جاد عن الأزمة، رغم أنه جاء متأخرا جدا، وأكد البعض الآخر أن من حق مصر الدفاع عن نفسها بكل الوسائل.
ارحب ترحيبا تاما بتصريحات الرئيس السيسي حول سد النهضة وهي رد طبيعي على التهديدات الإثيوبية بأنها ستقوم بالملء الثاني لخزان السد بصرف النظر عن التوصل إلى اتفاق من عدمه، فهذه التهديدات تشكل عدوانا مباشرا على حقوق مصر المائية.
أما تصريحات الرئيس فتدخل في إطار الدفاع الشرعي عن النفس
— Hassan Nafaa (@hassanafaa) March 30, 2021
ألرئيس #السيسي : لا أحد يستطيع أن يأخذ نقطة مياه من حق #مصر .
.
المساس بحقنا في المياه خط أحمر.
أقوى رسالة موجهة إلى #إثيوبيا والمجتمع الدولي بخصوص #سد_النهضة .
.
رسالة ينتظرها المصريون.
pic.
twitter.
com/ftoiibyOUR
— عمرو عبدالحميد (@amroabdelhamid) March 30, 2021
هدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برد، لا يمكن تخيله، في حال تضررت بلاده من سد النهضة الذي بنته إثيوبيا حول النيل، ويثور خلاف بين الدول المعنية حول قواعد ملئه وتشغيله.
أطلق رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد وعدا مثيرا ببناء قوات بحرية لبلده الذي لا يملك أي سواحل على البحر، غير أن هذه الجهود سرعان ما دخلت في حقبة من الجمود، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى تحقيق هذا الوعد؟
يواصل المبعوثان الأميركي والأوروبي إلى السودان مباحثاتهما اليوم الأربعاء في الخرطوم بشأن مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، وذلك بعد يوم من إعلان السودان أن الملء الثاني للسد سيضر محطات الكهرباء السودانية.
حذر خبير اقتصادي دولي من مغبة نشوب حرب على مياه نهر النيل بين إثيوبيا ومصر والسودان، بسبب التداعيات المحتملة التي قد تنجم عن ملء وتشغيل سد النهضة الذي بدأت أديس أبابا في بنائه عام 2011.
...
493
0