بطلاقة لسان مبهرة ودون أيّ رهبة من الميكروفون، رحّب الشاب التونسي علاء الدين منصور بمستمعيه الأوفياء، واعدا إياهم بحلقة جديدة ممتعة من البرنامج الإذاعي الرياضي "في الكاج" (القفص) الذي يشارك فيه بوصفه محلّلا رياضيا.
اختار علاء الدين ابن محافظة المهدية (الوسط الشرقي) التخصص في العلاج الطبيعي، وهو الآن طالب في سنته الأولى بالمدرسة العليا لعلوم وتقنيات الصحة بالعاصمة تونس.
شاءت الأقدار أن يفقد علاء الدين بصره وهو طفل في حادثين منفصليْن لا يحبّذ كثيرا الخوض في تفاصيلهما، فخسر عينه اليسرى في الثانية من العمر، ثم اليمنى وقد بلغ عامه العاشر.
تعلّق منذ السادسة من العمر بفريق النجم الرياضي الساحلي، فكان يشاهد بعين واحدة مبارياته عبر شاشة التلفاز، ويتابع كل شاردة وواردة تهمّ الفريق عبر المذياع.
كما أُغرم بمتابعة البرامج الرياضية التحليلية، فكان يشاهدها بشراهة حتى حفظ طريقة لعب النجم وخطط الإطار الفني في الملاعب عن ظهر قلب، ونما عشق الفريق في قلب علاء الدين (21 سنة) عاما تلو الآخر، وأينع وتحول إلى شغف وتعلق غير إرادي رافقاه إلى اليوم.
خلال مرحلة دراسته في المدرسة الإعدادية بمحافظة سوسة، اتخذ علاء قرارا جريئا دعمته فيه أسرته، كما يؤكد للجزيرة نت، وذلك بالتنقل بمفرده عبر الحافلة بين مسقط رأسه والمدرسة، متحدّيا ازدحام وسائل النقل العمومية ومخاطر الطريق.
حالفه الحظ بأن تعرّف في إحدى المرات على مجموعة من أحباء النجم الساحلي في الحافلة، وأصبحوا أصدقاء، فاقترح عليهم مرافقتهم إلى الملاعب، فرحّبوا بالفكرة بكل سرور، كما شجّعته أسرته على هذه الخطوة.
أصبح علاء الدين زائرا أسبوعيّا وفيّا للمدارج، وكان يضع السماعة في أذنيه ويستمع إلى تعليق المذيع على المباراة، ويستحضر من خلال شريط ذكرياته طريقة لعب الفريق التي انغرست في ذاكرته قبل فقدانه البصر، فهو "يتابع بقلبه"، كما يقول.
لفت صدق مشاعره وتحديه لوضعه الصحي جاره الذي قام بتصويره وكتابة نص يتحدث عن شجاعة هذا الشاب الاستثنائي، وهو يتنقل بمفرده بين الحافلات والقطارات السريعة لحضور مباريات فريقه، ونشر الصور والنص في صفحته الرياضية على فيسبوك سنة 2015.
وصلت تدوينة الجار إلى مسامع فريق النجم، فاتصل بعلاء الدين وكانت بداية علاقة صداقة وطيدة بين الجانبين، وصار المشجعُ العاشق زائرا وفيا لمقر الفريق في سوسة، ويأخذ صورا مع لاعبيه وإطاره الفنيّ، ليتوّج هذا الرابط القوي بمرافقته للفريق 5 مرات في مواعيده الرياضية خارج تونس.
أصبح علاء الدين مغرما كذلك برياضة كرة القدم الأوروبية، واكتسب خبرةً وثقافة رياضيّة خلقت في داخله رغبة جامحة في مشاركتها مع الآخرين.
وضع أحد المدربين في منطقة الساحل ثقته في علاء الدين، ومنحه فرصته الأولى في التعليق على إحدى المباريات عبر إذاعة إلكترونية في أغسطس/آب الماضي وتحليلها، فنجح الشاب في الاختبار بشهادة الجميع.
أراد فرصة ثانية يفجر فيها طاقاته، فمنحه القائمون على إذاعة "إم إف إم" (MFM) المحلية الخاصة في المهدية ثقتهم منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وصار محلّلا في برنامج "في الكاج"، يستعرض مهاراته في التعليق على مباريات وأحداث الأسبوع الرياضية عشيّة كل يوم سبت.
لم تمنع جسارة علاء وقوة شخصيته من أن يتعرض لصعوبات يلخّصها في عدم احترام بعض سائقي السيارات لذوي الإعاقة -ومن بينهم هو- أثناء تنقلهم وعبورهم الطريق، فلا يمنحونهم الأولوية.
ولكن علاء الدين عوّد نفسه على التأقلم مع وضعيته وعلى التعويل على نفسه والثقة فيها، مؤكدا للجزيرة نت: "صحيح أني لا أشاهد هذه الدنيا، ولكني جزءٌ منها، لذلك عليّ أن ألعب دوري فيها كما يجب".
يُرجع علاء الفضلَ في نجاحه إلى أسرته التي كانت حاضرةً دائما إلى جانبه، فلم تتركه ينغلق على نفسه وعلمته كيفية التعويل على ذاته في قضاء أبسط شؤونه وأن يكون مستقلا، وقدمت له الفرصة لاكتشاف نفسه وتحرير كل الطاقات الكامنة فيه.
يكمن سرّ نجاح علاء الدين في تغلّبه على خوفه الداخلي، وهو ينصح ذوي الإعاقة بالإيمان بقدراتهم وبالإبقاء على قلوبهم حية وعدم فسح المجال للآخرين للشفقة عليهم، ويقول "ارسم بينك وبين نفسك أهدافك، واسع إليها، وابدأ بالخطوة ولا تسمح لأحد أن يحبط عزيمتك".
ويدعو الجميع إلى الكفّ عن إقصاء ذوي الإعاقة، وإلى عدم اعتبارهم معرقلين، وإلى السعي إلى التقرب منهم وفهمهم واكتشافهم قبل إصدار الأحكام عليهم، و"البحث عن طرق للدخول إلى قلوبهم المفتوحة دائما للجميع".
أصبح وليد الزيدي أول كفيف يشغل منصب وزير الشؤون الثقافية في تاريخ تونس، بعد أن منح البرلمان الثقة لحكومة جديدة برئاسة هشام المشيشي.
استطاعت شيماء أبو الحصين إدخال الفرحة إلى أسرتها مؤخرا بحصولها على معدل 93.
3% في الثانوية العامة الفرع الأدبي، ولديها حلم كبير يتمثل في إتمام الدراسات العليا حتى تصبح أستاذة جامعية.
عندما يمسك الشاب العراقي الكفيف مصطفى عزيز جزءا من محرك سيارة عهد إليه أحد الزبائن بإصلاحها، ويهزه بيده، يكتشف بسرعة ما ينبغي عليه القيام به لإصلاح العطل.
من علم عزبز هذه المهارة؟ وما هي طموحاته؟
تعلم “الشيخ محمد” صناعة المفاتيح بالاجتهاد وأحبها، وفتح محلا بعدما تقاعد حتى ينفق على نفسه وأسرته حيث يقضي يومه بأكمله في عمله.
...
445
0