
منذ بداية تلمس طريقهما نحو دراما الجريمة المنظمة والعصابات في أوائل التسعينيات، انتهج المخرجان والكاتبان الأميركيان الشقيقان، جويل وإيثان كوين أو "الأخوان كوين"، أسلوب الكوميديا السوداء والصراع العدمي والقسوة التي لا تطاق؛ لتكريس مقاربتهما التي تصور عبثية الحياة في حبكة ثلاثية الرؤوس، تتكون من طمع إنساني ملتو منحرف، يُولد قتلا وحشيا بلا حساب، في ظل عدالة تحتاج إلى دفعة.
وذلك عبر حشد جميع العناصر السينمائية بشكل متكامل، من ثيمة خاصة وبصمة إخراجية مميزة، وطاقم تمثيلي يتنافس في الأداء ليقدم أفضل ما لديه، وحوارات أخاذة تحمل في طياتها سخرية من رغبات البشر الغبية النهمة، عندما تسفر عن فاجعة كبرى لا تصيب إلا الأبرياء.
مع الحرص على تحديد الزمان والمكان بكل أجوائه وتفصيلاته الدقيقة، والسرد الذي يحبس الأنفاس لدرجة تجعلك تريد أن تشاهد العمل أكثر من مرة؛ بل ربما تحلم به، على أمل أن تكتشف حلا أو مخرجا.
وإضاءة معتمة تدعم الأفكار السوداوية، حتى ضوء الشمس سرعان ما يتم حجبه بالغيوم الداكنة.
ففي عام 1990، قدم الأخوان كوين فيلم "معبر ميلر" (Miller's Crossing)، الذي لم يلفت الأنظار، ولم ينل الاهتمام الكافي من النقاد حينها.
ليس لتزامن عرضه مع فيلم "رفاق طيبون" (Goodfellas) أحد أعظم أفلام دراما العصابات للمخرج مارتن سكورسيزي في العام نفسه؛ بل لأنه "كانت تنقصه مغناطيسية السرد، رغم أناقة الصورة وديناميكية الحبكة وتوافر العناصر الفنية، التي تجعله يحظى بإعجاب عشاق أفلام العصابات"، بحسب رأي الناقد المخضرم روغر إيبرت.
وهو من نوعية أفلام "دراما الغوغاء" كما يسميها جويل، الذي أخرجه وشارك كتابته مع شقيقه إيثان، وحصد 4 جوائز وحظي بـ16 ترشيحا.
كميلودراما لا تخلو من بعض المحاكاة لفيلم "العراب" The godfather) 1974)، وتدور أحداثها بإحدى المدن الأميركية الكبرى في ثلاثينيات القرن الماضي، حول رجال يرتدون معاطف سوداء ويتسلون بالقتل وسط الغابة، في صراع صفري على السلطة للسيطرة على المدينة.
إنه فيلم "فارغو" (Fargo) إنتاج 1996، الذي يصارحنا الأخوان كوين اللذان كتباه وأخرجاه، من البداية بأنه مأخوذ عن أحداث حقيقية وقعت في عام 1987، ببلدة فارغو في ولاية مينيسوتا، حيث الغرب الأوسط الأميركي الأشد برودة؛ لكنهما رغم ذلك يعتبرانه فيلما خياليا 100%.
ليتلاعبا بأعصابنا على مدى 98 دقيقة بين الحقيقة والخيال.
حقيقة الثلوج التي تذيبها الدماء الساخنة، وخيال القتل الوحشي، الذي تمارسه العصابات بسهولة إلى حد فرم الجثث في مفرمة للأخشاب على وقع موسيقى تصويرية رثائية حزينة ألفها كارتر بورويل لتصاحب خطوات الشُرطية الحامل، مارج غندرسن (فرانسيس ماكدورماند)، التي تنام مبكرا، وتعيش حياة عائلية رتيبة مع زوج يحرص على إفطارها قبل أن تنهض بصعوبة في الثالثة صباحا، لتغوص في حقول القتل البيضاء الشاسعة المرصعة باللون الأحمر وسط المناظر الطبيعية الشتوية المتجمدة بحماس لا يخلو من المرح.
فطمع بائع السيارات جيري لوندغارد (وليام إتش ميسي) المتخبط المثقل بالديون، يدفعه لاستئجار عصابة من السفاحين المأجورين ليقوما باختطاف زوجته، وابتزاز حماه الثري لدفع فدية مالية ضخمة.
فتتعقد خطته، وتنتج عنها سلسلة من جرائم القتل البشعة، ليس أقلها المشهد الأكثر قسوة لقتل زوجته المسكينة جين (كريستين رودرود) التي خُطفت وحرمت من أطفالها، التي كانت تتفانى في خدمتهم، وعوملت بسخرية وقسوة همجية من الخاطفين، وهي تهرب في الثلج معصوبة العينين وحافية القدمين.
فاز الفيلم بجائزتي أوسكار لأفضل سيناريو وأفضل ممثلة، وجائزة أفضل مخرج في مهرجان كان، بالإضافة إلى 81 فوزا و58 ترشيحا آخر، واعتبره روغر إيبرت، رابع أفضل فيلم في حقبة التسعينيات، وأفضل فيلم في عام 1996.
في عام 2007، أثار الأخوان كوين الدهشة ببراعتهما في فيلم "لا بلد لكبار السن" (No Country for Old Men) حيث جمعا بين مدرستهما التي تغمرها روح الدعابة السوداء، وبين رواية للكاتب الأميركي كورماك مكارثي، الحائز على جائزة بوليتزر، المقتضبة والحزينة التي تحمل نفس الاسم، وتتناول مصير البشرية الحتمي، عندما يسيطر عليها هوس الحصول على المال بأي طريقة، ويصبح البقاء للأقوى، ولا وطن للعجائز.
ليقدما عملا غير مسبوق يعود للغرب الأميركي المتوحش في بداية ثمانينيات القرن الماضي، برؤية شديدة التشاؤم والسوداوية للعالم، وإحساس رديء بالموت الكامن في المناظر الطبيعية القاحلة في تكساس.
من خلال الحبكة ثلاثية الرؤوس العنيفة العدمية نفسها، بين الصياد الأحمق، ليويلين موس (جوش برولين)، الذي يطمع في الإفلات بحقيبة مليئة بالمال، اغتنمها من معركة في الصحراء انتهت بمقتل أطرافها جميعا.
وقاتل مأجور، أنطون شيغور (خافيير بارديم)، هذا الوحش المجنون ذو الابتسامة الصفراء المرعبة، والذي يحمل سلاحا غريبا عبارة عن أنبوب من الهواء المضغوط يقتل به كل من يصادفه بسرعة مذهلة، ويبدو كأنه شر محض لا يؤمن إلا بقوانينه الخاصة، ويجلس ليشرب الحليب بهدوء، وينفر من منظر الدم، ويتحاشى أن يلوث حذاءه به.
ثم الشرطي العجوز المحبط، إد توم بيل (تومي لي جونز) الذي يشعر بالعجز أمام العنف المتزايد في منطقته.
حصد الفيلم 4 جوائز أوسكار، منها جائزة أحسن ممثل لفنان إسباني لأول مرة، و160 فوزا و139 ترشيحا.
"سوف تسيل الدماء، هو صناعة السينما في أروع أشكالها، إنه قصيدة بول توماس أندرسون الملحمية في الوحشية والهوس.
كأنه تأمل حقيقي في أميركا وغوص في العمق المظلم لقلب الرأسمالية المهيمنة".
"الواقعية" هى الكلمة الأكثر دقة وتعبيرا عن سمة أفلام المخرج محمد خان الذي تحل الذكرى الرابعة لرحيله في يوليو/تموز الجاري، إذ غاب عن المشهد السينمائي في 2016، تاركا وراءه إرثا سينمائيا كبيرا في مضمونه
استعرضت حلقة (2020/10/2) من برنامج “عن السينما” واحدا من أبرز عناصر الصناعة السينمائية، فمدير التصوير من أبرز شركاء المخرج الذي يساعده على إبداع الصورة السينمائية بكل مكوناتها.
ربما كانت الأحداث القاسية والمخاوف الغريبة التي تحدث عنها هيتشكوك، في حواراته، سببا في الأفكار الغريبة والمثيرة التي تناولها في أفلامه، فلا يمكن أبدا تجاهل أحداث الطفولة وأفكارها في تشكيل حياة الفنان.
جميع الحقوق محفوظة © 2020 شبكة الجزيرة الاعلامية
...
434
0