
أثار قرار منصة "إتش بي أو ماكس" التلفزيونية الأمريكية حذف حلقات من مسلسل الرسوم الكارتونية الساخر الشهير "ساوث بارك" ردود فعل واسعة وجدد النقاش حول الحد الفاصل بين حرية الإبداع والتعبير وازدراء الأديان.
وكانت منصة "إتش بي أو ماكس" قد بدأت مطلع الأسبوع الحالي في عرضمسلسل الرسوم المتحركة الذي يتكون من 307 حلقات.
.
وكل حلقات المسلسل متوفرة في مكتبة المنصة ما عدا خمس حلقات تتضمن رسوما كاريكاتورية للنبي محمد.
وقد منعت المنصة التلفزيونية عرض تلك الحلقات بالاتفاق مع الشركة المنتجة بهدف تجنب تكرار مشاكل سابقة تعرض صناع العمل.
ففي عام 2001، تطرق المسلسل إلى معتقدات المسلمين التي تعارض فكرة تصوير الأنبياء في الأعمال الفنية، مما أثار غضب هيئات دينية إسلامية عدة.
ثم تكرر الجدل في 2010 لتضطر بعدها الشركة المنتجة للسلسلة الشهيرة إلى إيقاف بث الحلقة الثانية والثالثة من المسلسل عقب تلقيها تحذيرات من جماعات إسلامية، وفق ما ذكرته وكالة رويترز.
وقد طالب آنذاك الحزب الإسلامي الماليزي صناع المسلسل بالاعتذار للمسلمين، وحذف الحلقتين اللتين صورتا النبي محمد متنكرا في هيئة دب.
"ساوث بارك" هو مسلسل كرتوني تلفزيوني أمريكي حائز على العديد من الجوائز.
ويندرج تحت قائمة الكوميديا السوداء ويقدم رؤية سريالية ساخرة للقضايا العامة.
وتتمحور قصة المسلسل الأمريكي الذي بدأ عرضه عام 1997 حول أربعة أطفال في المدرسة الابتدائية يعيشون في مدينة ساوث بارك الخيالية.
ودرج صناع المسلسل على انتقاد كل فئات المجتمع الأمريكي والسخرية من الأديان والشخصيات المؤثرة في العالم.
وقد حقق المسلسل نسب مشاهدة عالية لمواكبته كبريات الأحداث السياسة مثل القبض على صدام حسين أو تقصي حياة مشاهير هوليوود وغيرها من المواضيع الشائكة والمثيرة للجدل.
كما فرضت الصين رقابة على بث المسلسل بعد بث حلقة تهاجم الشركات الأمريكية التي تتعامل مع بكين دون أي اعتبار لحقوق الإنسان.
وتطرق المسلسل إلى المسائل الدينية جعله أيضا في مرمى غضب منظمات مسيحية عدة، خاصة بعد أن بث حلقة تصور مريم العذراء بشكل اعتبره كثيرون خادشا للحياء.
ورغم ذلك لم تحذف الشركة المنتجة أو منصات العرض الأمريكية الحلقات أو تفرض رقابة عليها.
ومن هذا المنطلق طرح رواد مواقع التواصل الاجتماعي تساؤلات عدة: هل تندرج المشاهد التي يصورها المسلسل تحت خانة حرية الفن والتعبير؟ وهل تختلف النظرة للأديان والقضايا السياسية من مجتمع إلى آخر.
ففي الوقت الذي اعترض فيه مغردون على إيقاف الحلقات المتعلقة بالنبي محمد ، رحب آخرون بقرار الإيقاف واعتبروه أمرا ضروريا لتطويق مشاعر الكراهية للأديان، ونشر التسامح بين الأمم.
واعترض كثيرون على الإجراء الذي اتخذته "شركة أن إتش بي أو ماكس" من منطلقات مختلفة.
فمن المعلقين من رأى في تلك الخطوة تهديدا لحرية التعبير والخيال، ومنهم من تعامل مع الموضوع من منطلق ديني بحت متهما المنصة بالازدواجية وبالانحياز للمسلمين.
وفي هذا السياق يعلق أحدهم:" ما حدث أمر مثير للسخرية.
من الصعب إيجاد حلقة لا تتضمن إساءة لدين أو حزب أو قومية معينة لأن السلسلة تعتمد بشكل رئيسي على السخرية".
من جهة أخرى، طالب مغردون بحذف كل الحلقات التي تسخر من الرموز الدينية أو تصورها بشكل غير مألوف.
ويرى هؤلاء أن المسلسل يعتمد منطق الاستفزاز والإثارة عند مقاربة القضايا الدينية بدلا من معالجتها بطريقة كوميدية راقية تخاطب العقل.
في حين دافع آخرون عن حق الفنانين والمثقفين في التطرق لهذه المواضيع بالأسلوب الذي يختارونه، مضيفين أن "حرية التعبير والإبداع هي البناء الأساسي لكل بلد ديمقراطي".
يذكرنا الجدل الدائر حول تصوير الرموز الدينية في سلسلة ساوث بارك، بجدل مشابه كان قد أثاره فيلم برازيلي كوميدي يحمل عنوان " الفتنة".
ويصور الفيلم الذي عرض قبل أشهر على شبكة نتفليكس المسيح كأنه مثلي الجنس، ما دفع آلاف الأشخاص في أنحاء العالم إلى توقيع عريضة تطالب بإزالته والاعتذار إلى المسيحيين بسبب "الإساءة الخطيرة إليهم".
وعادة ما تطال تهمة "ازدراء الأديان" أو "إهانة الآخر" صناع الدراما الذين "يفكرون خارج الصندوق أو يخالفون الفكرة السائدة " في أعمالهم.
بينما يرى البعض في ذلك حقا يتعلق بحرية الإبداع والفن يجب حمايته، يقول آخرون إنه يهدد السلم الدولي وينشر الكراهية الدينية وبالتالي يطالبون بمنعه قانونا ومراجعة كل عمل من شأنه النيل من دين أو عرق أو بلد معين، على حد قولهم.
وفي سياق متصل، أشارت مواقع صحفية مختصة بشؤون الإعلام والترفيه إلى أن قرار إزالة حلقات "ساوث بارك" المثيرة للجدل جاء بعد اتفاق مسبق بين الشركة المنتجة لسلسلة الرسوم الكارتونية ومنصة "إتش بي أو ماكس".
ويبدو أن المنصة السينمائية كانت حريصة منذ البداية على عدم إثارة أي قضايا تتعلق بالدين والعرق.
فقد قررت قبل أسبوعين إزالة فيلم ذهب مع الريح من مكتبتها بعد حملة اتهمته بالعنصرية.
...
250
0