
تباينت مواقف الدول العربية من المبادرة المصرية الأخيرة تجاه الأزمة الليبية، بشكل يعكس الاختلاف العميق فيما بينها تجاه قواعد الحل السياسي لإنهاء الاقتتال في هذا البلد النفطي.
وبات جليا أن دول المنطقة المغاربية ليست على نفس موجة بعض الدول بالمشرق العربي، وعلى رأسها مصر والإمارات والسعودية والأردن.
ففي الوقت الذي تؤكد فيه الجزائر وتونس والمغرب على وقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطراف الليبية، لم يعد خفيا دعم مصر والإمارات والسعودية للواء المتقاعد خليفة حفتر.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن مؤخرا عن مبادرة وقف إطلاق النار في ليبيا، بحضور حفتر الذي تواجه قواته هزائم متتالية في جبهات القتال.
ورحبت كل من الإمارات والسعودية والأردن والبحرين، إلى جانب روسيا وبعض الدول الأوروبية، بإعلان القاهرة، فيما تجاهلته الحكومة الليبية الشرعية ورفضته تركيا ونأت الولايات المتحدة بنفسها عنه.
وتواجه كل من الإمارات ومصر والسعودية، اتهامات بدعم مليشيات حفتر في مواجهة الحكومة الليبية المعترف بها دوليا.
ووثق تقرير لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة صادر نهاية مايو/أيار الماضي، حجم الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه الإمارات لحفتر منذ 2014.
وتضم الأسلحة التي دفعت أبو ظبي ثمنها وأرسلتها إلى ليبيا: أنظمة دفاع جوي روسية من طراز "بانتسير-إس 1" بـ14.
7 مليون دولار، ومروحيات من طراز سوبر بوما بقيمة 15 مليون دولار تم شراؤها من دولة جنوب أفريقيا، وطائرات مسيرة مسلحة إماراتية الصنع من طراز يابهون بقيمة 25 مليون دولار، وطائرات مسيرة مسلحة روسية من طراز أورلان بقيمة 100 ألف دولار.
وتوفر الإمارات مرتزقة أجانب وتدفع رواتبهم للقتال بصفوف حفتر، وبينهم مئات المرتزقة الروس ومليشيات الجنجويد السودانية ومتمردون من التشاد.
وفي المنطقة المغاربية، قوبلت المبادرة المصرية الأخيرة برفض وتجاهل من الجزائر وتونس والمغرب.
وتمسكت الخارجية المغربية باتفاق الصخيرات الموقع في 2015، والمعروف باسم الاتفاق السياسي، كمرجعية وحيدة للحل في ليبيا.
وقالت الخارجية الليبية في وقت سابق إن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أكد لنظيره الليبي محمد سيالة أن الاتفاق السياسي الموقع بالصخيرات المغربية هو المرجعية الأساسية لأي حل سياسي في ليبيا.
من جهتها، جددت الخارجية التونسية مواقفها "الثابتة والداعمة للشعب الليبي ولمؤسسات دولته"، كما حددتها قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والاتفاق السياسي، بما يضمن وحدة ليبيا وسيادتها وأمنها واستقرارها.
أما الخارجية الجزائرية، فلم تعط أهمية كبيرة للمبادرة المصرية، ولم تشر إليها بالاسم وإنما اكتفت بالقول في بيان إنها "أخذت علما بالمبادرة السياسية الأخيرة من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار والعمل على إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية".
وشددت الجزائر في ذات البيان، على أهمية دور دول الجوار في مسار التسوية السلمية في ليبيا، والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف.
ويعني ذلك رفض الجزائر انفراد دولة معينة بمبادرة الحل في ليبيا.
وكانت قد أكدت مرارا رفضها سيطرة حفتر على العاصمة طرابلس، وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في يناير/كانون الثاني الماضي إن طرابلس خط أحمر.
ويصف الصحفي الجزائري عثمان لحياني الموقف المغاربي مما يجري في ليبيا بالحذر، لأن هناك إدراكا بأن أي تطور سلبي في هذا البلد سيؤثر سلبا على دول المنطقة بحكم القرب الجغرافي.
ويضيف "نلاحظ أن المحور العربي الذي يدعم حفتر (مصر والإمارات السعودية والأردن) دول ليس لها استقلالية في القرار السياسي، الذي ينبع من خطط وتصورات للقوى (الدولية) التي تعيد رسم الجغرافية الإقليمية والدولية".
وتناول الإعلام الدولي في الأسابيع الماضية معلومات مفادها أن الإمارات ومصر مارستا ضغوطا على الولايات المتحدة الأميركية، من أجل رفض تعيين الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة مبعوثا أمميا إلى ليبيا خلفا لغسان سلامة المستقيل مطلع مارس/آذار الماضي.
ويرى الباحث الجزائري المتخصص في الشأن الليبي عبد القادر دريدي أن الاختلاف في التعاطي مع الأزمة الليبية لا يخضع فقط لجغرافيا المشرق والمغرب، لأن الاختلافات تمتد إلى ما بين الدول في نفس المنطقة.
التطلع لدور جزائري
من جانبه، قال جمعة القماطي مبعوث رئيس حكومة الوفاق الليبية إلى دول المغرب العربي، في حوار لصحيفة الخبر الجزائرية، "ما زلنا نتطلع لدور أكبر للجزائر في الأزمة بحكم أنها دولة جارة قوية في العالم العربي وشمال أفريقيا".
وتابع "نتطلع دائما لأن تكون الجزائر دولة وازنة ولا تسمح لأي قوة عربية قريبة أو إقليمية بعيدة بالتأثير في المشهد الليبي لترسيخ الانقسام".
وشدد القماطي على ضرورة تدخل الجزائر لمنع التدخل الفج في ليبيا، خاصة أن الأمن القومي الجزائري يتأثر مباشرة بما يحدث في ليبيا، والتي تجمعها بها أكثر من 900 كلم من الحدود المشتركة، "وهناك قضايا حساسة جدا مثل الإرهاب وحركة السلاح والتهريب وغيرها".
شدد خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، الخميس، على أنه لا حوار مع خليفة حفتر، ووصفه بأنه "مجرم حرب" معربا عن الاستعداد لاستئناف العملية السياسية وفق الثوابت المتفق عليها.
دعت الولايات المتحدة إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا برعاية الأمم المتحدة، نائية بنفسها عن مبادرة أطلقتها القاهرة.
جاء ذلك بينما تستمر التطورات الميدانية، حيث سيطرت قوات حكومة الوفاق على خط إمداد رئيسي.
قال ديفيد شينكر إن العملية التي تقودها الأمم المتحدة ومسار برلين هما الإطار الأكثر فاعلية للتفاوض وتحقيق تقدم باتجاه وقف إطلاق النار في ليبيا.
تقرير: نادين الديماسي
تاريخ البث:2020/6/12
جميع الحقوق محفوظة © 2020 شبكة الجزيرة الاعلامية
...
283
0